قواعد البيوع وفرائد الفروع (ص: 7)
قوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ
رَبِّكُم ْ } (البقرة: من الآية198)
فروى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس قال
: (( كانت عكاظ ومجنّة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في الموسم
فنزلت هذه الآية )) ، وروى أبو داود عن مجاهد عنه أنه قال :" كانوا يتقون البيوع
والتجارة في الموسم ـ أي موسم الحج ـ ويقولون : أيام ذكرٍ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى ابن جرير في تفسيره عن أبي صالح مولى عمر قال : قلت ياأمير المؤمنين : كنتم
تتجرون في الحج ؟ قال :(( وهل كانت معايشتهم إلا في الحج ؟! )) فهذه الآية فيها دليل
على جواز أنواع البيوع في الحج ، وذلك لأن الله تعالى نفى الجناح عن الذي يبتغي من
فضل الله بالبيع والشراء وسائر أنواع المكاسب ، فمن قال بغير ذلك وادعى الجناح في معاملة
أو تجارة فعليه الدليل لأن الدليل ينفي الجناح ويقضي بأن البيوع لا جناح فيها إلا ما
حرمه الشارع ، فإن قلت : هذا في الحج ؟! فنقول : قد تقرر في الأصول ( أن العبرة بعموم
اللفظ لا بخصوص السبب ) ، ولأنه إذا جاز البيع والشراء في الحج وأنه لا جناح فيه وهو
موسم عبادة وذكر ؛ فلأن يجوز وينتفي الجناح في غيره من الأوقات من باب أولى ، والله
أعلم .
ومن الأدلة أيضاً : قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( البيعان بالخيار
)) فأطلق ولم يقيد ، فمن قيده بشيء فعليه الدليل ، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم
- لما سئل : أي الكسب أفضل ؟ قال : (( عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور )) رواه الحاكم
، فهذا لفظ عام يدخل فيه جميع أنواع البيع المبرورة ولا يخرج عن هذا الحكم إلا ما خصه
الدليل ، والله أعلم .
الكتاب : قواعد البيوع وفرائد الفروع
وليد بن رلشد السعيدان
No comments:
Post a Comment