Sunday, August 31, 2008

التمييز بين مفاهيم الوساطة المالية والتمويل والمتاجرة

التمييز بين مفاهيم الوساطة المالية والتمويل والمتاجرة
محمد أنس الزرقا
أستاذ - مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبدالعزيز - جدة
المستخلص : إن السمسار والتاجر - على اختلافهما - يؤديان من حيث النتيجة وظيفة اقتصادية واحدة هي الوساطة لتخفيض تكاليف انتقال السلع من منتجيها أو حائزيها إلى طالبيها ، فالسمسرة تنشئ علاقة ثنائية مباشرة بين طرفي التبادل بمساعدة السمسار ، بخلاف التجارة التي تنشئ علاقة ثلاثية غير مباشرة التاجر أحد أطرافها .

فوائد البنوك


فوائد البنوك
د.يوسف القرضاوي
س: كنت موظفًا أتقاضي راتبًا متوسطًا، وكنت أوفر منه مبلغًا أودعه البنك وأتقاضى عليه فائدة، فهل يصح لي ذلك أم لا، علمًا بأن المرحوم الشيخ شلتوت أفتى بجواز هذه الفوائد وسألت بعض العلماء، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها . ومما أذكره أني كنت أدفع زكاة مالي، ولكن فائدة البنك كانت تزيد عن المبلغ الذي أخرجه.

مقارنة من حيث المنطق النظري والواقع التطبيقي

البنك الإسلامي والبنك التقليدي ( مقارنة من حيث المنطق النظري والواقع التطبيقي
Friday 17-02 -2006
1 - مقدمه :موضوع البنك الإسلامي والبنك التقليدي ( دراسة مقارنة ) من الموضوعات الشائكة كثيرة التفريعات ، كما انه شديد الأهمية بالنسبة للمسلمين بصفه عامه سواء بصفه فرديه أو جماعية ، ويكفى للتدليل على مدى أهمية هذه الدراسة وأثرها في المجتمع ذلك الجدل الفقهي المحتدم على الساحة منذ وقت بعيد حول موضوع " فائدة البنوك " سواء كانت على الايداعات أو القروض ، ذلك الجدل الكبير الذي يحظى باهتمام غير عادى سواء من جانب الأفراد او المؤسسات نظرا لكونه ذو جوانب دينية عميقة شديدة الصلة بنطاق الحلال والحرام ، وكونها عقيدة للمسلم أسستها نصوصا شريفه عديدة تحذر المسلم تحذيرا بالغا من الوقوع في دائرة الربا ، وكذا اهتمت بهذا الموضوع المؤسسات المختلفة لصلة هذا الموضوع بالهيكل الإقتصادى والمصرفي للدول ، وما قامت البنوك الإسلامية أصلا إلا لتكوين أوعية اقتصادية جديدة مصاغة حسب الشريعة الإسلامية ولا تتعامل بالفائدة أخذا وعطاء ، وهذا النقاش متصل بصفة أساسية حول موضوع البنك الإسلامي والبنك التقليدي

الواقع وطريق التحول لمستقبل أفضل

بسـم الله الرحمن الرحيم

الهيئات الشرعية

الواقع وطريق التحول لمستقبل أفضل

لمعالي الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين

كان الخبير الاقتصادي العالمي الحائز على جائزة نوبل الأستاذ موريس آليه كتب في يونيه عام1989 ميلادية مقالة في جريدة (لومند) بيَّن فيها أن النظام البنكي الغربي سبب أضراراً فادحةً بالاقتصاد العالمي، وتتلخَّص في:

1 - إيجاد مرض خطير يتجذر في الاقتصاد العالمي، ويهدِّده بالانهيار أو بمواجهة أزمات حادَّة، إذ أصبح الاقتصاد العالمي بفضل النظام البنكي الحالي عبارة عن أهرامات من الديون يتمركز بعضُها على بعض على أساس ضعيف.

2 - استعمل المال في غير وظيفته الطبيعية، إذ يسر النظام البنكي عمليات الاسبكيوليشن Speculation، فأصبح العالم أشبه بمائدة قمار واسعة، وأصبح الاسبكيوليشن يستأثر بسبعة وتسعين في المائة (97%) من تدفُّق النقود بين بلدان العالم، ويبقى للتجارة الحقيقية ثلاثة في المائة (3%) فقط.

3 - كان ذلك سبباً لما يعانيه العالم من ضنك، وبطالة، وانخفاض في مستوى العدالة الاجتماعية.

ورأى أن لا سبيل للخلاص من الواقع والمستقبل المظلم إلا بتغيير النظام البنكي الحالي من الأساس.

يضاف إلى هذه الأضرار الواقعية والمشاهدة التي أشار إليها الأستاذ آليه:

أ - أن النظام الربوي بطبيعته نظام متحيِّزٌ لجدارة الائتمان على حساب الجدوى الاقتصادية، فيفضل في التمويل المشاريع الأقوى ائتماناً على المشاريع الأجدى إنتاجية، فتتجه الأموال إلى الأسواق الأقل حاجةً إليه، وتحرم منه الأسواق الأكثر حاجة إليه، فيعاق النموُّ الاقتصادي، ومظهر هذا في دولِ مجلس التعاوُن الخليجي، أن البنوك الربوية تشكل مجاري سريعة الانحدار تتَّجه فيها الأموال إلى الأسواق الأقل حاجةً إليها، والأضعف جدوى وإنتاجيةً بحكم حِدَّة المنافسة. (لتراجع الإحصاءات لتدفُّق الأموال الوطنية في مجلس التعاون إلى أسواق أوروبا وأمريكا واليابان).

ب - تشجيع الاستهلاك الطائش، وخلق حاجات غير حقيقية لدى متلقي التمويل، والعمل المستمر على لف حبال الرقِّ والعبودية على رقبته لصالح السيد المموِّل.

وهذا غير تأثيراته السلبية الأخرى على الاقتصاد من عدم الاستقرار وتشويه المناخ المناسب للاستثمار وغير ذلك مما لاحظه خبراء الاقتصاد.

وقد وجدت البنوك الإسلامية تصحبها طبول المبشِّرات بالخلاص من الربا، وبالتالي بالخلاص والوقاية من نتائجه المدمِّرة التي أشير فيما سبق إلى بعضِها. وبدأت إعلان شعارها الذي اعتبر مميزاً وعلامةً فارقةً بينها وبين البنوك الربوية، وهو (العمل بالنقود، وليس العمل في النقود).

والآن، وبعد مضي أكثر من ربع قرنٍ على وجود أولِ بنكٍ إسلاميٍّ، وبعد أن وصل عددُ المؤسَّسات المالية الإسلامية حوالي مائتي مؤسَّسة (عدا الدول التي أعلنت تحوُّلَها الكاملَ إلى النظام البنكي اللاربوي، الباكستان عام 1985م، وإيران عام 1984م)، ما هي الصورة الواقعية الغالبة للبنك الإسلامي؟ وهل حقَّق أهدافه؟ سأترك أحدَ أساطين المصرفية الإسلامية يقدِّم بعض الأجوبة.

في محاضرة الشيخ صالح كامل في بنك التنمية الإسلامي بمناسبة منحه جائزة البنك وردتْ هذه النصوصُ:

(إنَّنا عندما نرفع شعار تطبيق الإسلام في المعاملات المصرفية نكون قد ألقينا على عاتقنا التزاماً بأنْ ننهضَ بمقتضيات ذلك الشعار، وأن لا نَهِنَ ولا نضعف… وأن لا نركنَ للتبريرات والحيل والرخص… ومن المهمِّ في هذا الصدد أن تبدو الفوارق واضحة ملموسة بين ثمرة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي وبين نتائج العمل المصرفي الربوي… إننا وبكل ثقة واطمئناناً إلى المصادر السماوية لمنهجنا الاقتصادي بشرنا الناس بأن آثار تطبيق الاقتصاد الإسلامي على الأمة ينعكس في قيادتها نحو التنمية الاقتصادية، وإيجاد القيمة المضافة، وزيادة المصادر… وتشغيل العاطل… وتأهيل العاجز… ولكن إذا ما تمادينا في تقليد المصارف التقليدية… وآثرنا سلامة توظيف أموالنا فسوف تغيب في التطبيق مميزات العمل المصرفي الإسلامي وتضييق الفوارق بينه وبين النشاط المصرفي التقليدي، وبذلك نكون قد خُنَّا أمانة الاستخلاف…

أقول لكم بكل الصدق والتجرُّد… إنَّنا لم نكتفِ باختيار اسم البنك فقط، ولكن أخذنا كذلك مفهومه الأساسي… وبالتالي لم نستطع أن نوجد لمؤسساتنا المالية مفهوماً ونمطاً يتجاوز مسألة الوساطة المالية، والذي حصل أنَّ الصيغ الاستثمارية المفضَّلة لدى البنوك الإسلامية أصبحت هجيناً بين القرض والاستثمار، وهو هجين يحمل معظم سمات القرض الربوي وعيوب النظام الرأسمالي الغربي، ويعجز عن إبراز معالم الاستثمار الإسلامي المبني على المخاطرة وعلى الاستثمار الحقيقي، ولا يعترف بضمان رأس المال أو عائده. ومما يدلُّ على عمق المسألة واستمراريتها أنَّ الهياكل التنظيمية لبنوكنا والتي استقيناها من البنوك التقليدية لا تعير اهتماماً لإدارة الاستثمار لا في حجمها ولا في تخصُّصاتها، بحيث تستوعب جميع ضروب النشاط الاقتصادي المنتج. واكتفينا بجهاز صغير، وجهَّزنا أوراقنا بما يتلاءم وطبيعة عملياتنا الروتينية شديدة الشبه بالدورات المستندية للأنظمة الربوية. والنتيجة التي وصلنا إليها… أنَّنا لم نتقدَّم في إبراز الخصائص الأساسية للعمل المصرفي… الإسلامي والمعالم المميِّزة له… ولم تنجاوز واقع وتأثيرات النظام المصرفي الربوي.

إنَّ النتيجة المنطقية لذلك الاتجاه الخاطئ هو تكريس التمويل تجاه الموسرين وذوي الملاءة من الذين يملكون الضمانات بأنواعها، وجعلنا المستثمر وحده يتحمَّل مخاطر الاستثمار ولا يشاركه فيها المصرف، ولم نراع في تمويل العميل الجدوى الاقتصادية لمشروعه، بل اكتفينا بالتأكد من قوة الضمانات. ولم نهتم إذا كان التمويل يسبب آثاراً تضخُّمية أم لا، أم أنه يربك نظام الأولويات والضروريات أم لا. وهكذا دون أن ندري أفرغنا العمل المصرفي من مضامينه الحيوي وأهدافه الاستثمارية. إن جوهر وثمرة تحريم الربا وقيام البنوك الإسلامية تكمن في عدمِ الركون إلى العائد المحدَّد المضمون… إنَّ النقيض للربا … هو أن يتحمَّل طرفا العملية المخاطرةَ واقتسامَ الربحِ والخسارةِ غُنماً وغُرماً. وهذا هو العدل الذي يميِّز صيغ المشاركة عن الإقراض الربوي… إنَّ عدم التركيز على قاعدة الغنم بالغرم من الناحية النظرية وإغفالها بالكامل في معظم عمليات المصارف الإسلامية والتوسع في استخدام الصيغ مضمونة رأس المال والعائد جعل العامة في حيرةٍ. ومن هذه الثغرة تمكَّن المتشكِّكون من … فتح المجال واسعاً لاستخدام العديد من الحججِ المنطقيةِ ظاهراً لتبرير وتحليل الفوائد المصرفية. وأعتقد جازماً أنَّنا لو استمررنا في هذا الاتجاه فستفقد البنوك الإسلامية الأساس النظري والعملي لقيامها واستمرارها.

هناك بلا شك آفاقٌ رحبة لنشاط البنوك الإسلامية… واتجاه موارد مالية كبيرة نحو ميدان العمل المصرفي الإسلامي ممَّا يتطلَّب استعداداً فنياًّ متكاملاً لاستيعاب هذه الموارد وطمأنة أصحابها على السلامة الشرعية لتلك الاستثمارات. وسوف يؤدي التفريط … إلى … إحباط الجماهير التي رأت في المصارف الإسلامية مخرجاً شرعياً واستثماراً ناجحاً.

من الأمور الشديدة الأهمية أن تسعى البنوك الإسلامية لاستكمال إطارها الشرعي وصيانته… وألاَّ تفرط في حرمته… وأن تستند الفتاوى إلى الأصل وليس الاستثناء، وإلى العزائم وليس الرخص). انتهى الاقتباس.

لقد أطلتُ الاقتباس من المحاضرة ليس فقط لأنَّ كاتبها من كبار العاملين في مجال المصرفية الإسلامية والمؤثرين فيها والعارفين بأوضاعها وتطوُّر مسيرتها، وإنما لأنَّها أيضاً عبَّرت بعباراتٍ أوضح عن المعاني التي أشرتُ إليها في صدر هذه الورقة.

وحسب شهادة الشيخ صالح كامل في النصوص المقتبسة فإنَّ:

1 - البنوك الإسلامية بشَّرت الناس في البداية أنَّ النظام المصرفي سيقود نحو التنمية الاقتصادية، وإيجاد القيمة المضافة، وزيادة المصادر، وتقليل البطالة، وتحقيق الفارق الأساسي بين المصرف الإسلامي والمصرف الربوي، وهو عدم ركون المصرف الإسلامي إلى العائد المحدَّد المضمون وإعماله قاعدة (الغنم بالغرم).

2 - أن البنوك الإسلامية لم تحقِّق ما بشَّرت به، فتمادت في تقليد المصارف الربوية، ولم تكتف باختيار اسم (البنك) فقط، بل اختارت كذلك مفهومه الأساس، ولم تتقدَّم في إبراز الخصائص الأساسية للعمل المصرفي الإسلامي والمعالم المميزة له. ولم تتجاوز واقع ونتائج النظام المصرفي الربوي.

3 - الذي حصل أن الصيغ الاستثمارية المفضلة لدى البنوك الإسلامية أصبحت هجيناً بين - في البنوك الربوية - والاستثمار، وهو هجين يحمل معظم سمات القرض الربوي وعيوب النظام الرأسمالي، ويعجز عن إبراز المعالم الاستثمار الإسلامي المبني على الاستثمار الحقيقي.

4 - أن مما يدلُّ على عمق المسألة واستمراريتها أن الهياكل التنظيمية التي استعارتها المصارف الإسلامية من المصارف الربوية لا تعير اهتماماً لإدارة الاستثمار لا في حجمها ولا في نوعيتها، وقد جهزت المصارف الإسلامية أوراقها بما يتلاءم وطبيعة عملياتها شديدة الشبه بالدورات المستندية للأنظمة الربوية.

5 - كانت النتيجة المنطقية لذلك الاتجاه الخاطئ هو تكريس التمويل تجاه الموسرين ذوي الملاءة الذين يملكون الضمانات بأنواعها، ولم يراع في تمويل العميل الجدوى الاقتصادية لمشروعه، ولم يهتم بما إذا كان التمويل يربك نظام الأولويات والضروريات. وبذلك فإن البنوك الإسلامية دون أن تدري أفرغت العمل المصرفي الإسلامي من مضامينه الحيوية وأهدافه الاستثمارية.

6 - لم تركز البنوك الإسلامية على قاعدة (الغنم بالغرم) من الناحية النظرية، بل أغفلت بالكامل في معظم عمليات المصارف الإسلامية، وبدلاً عن ذلك توسَّعت البنوك الإسلامية في استخدام الصيغ مضمونة رأس المال والعائد مما جعل العامة في حيرةٍ وفتح للمتشكِّكين مجالاً واسعاً لتبرير وتحليل الفوائد الربوية. وإذا استمرت البنوك الإسلامية في هذا الاتجاه فستفقد حتماً الأساس النظري والعملي لقيامها واستمرارها.

أضيف إلى الوقائع الآنفة الذكر التي أوضحت عنه المحاضرة:

7 - تركيز البنوك الإسلامية على عمليات الاسبكيوليشن، سواء في صناديق المتاجرة بالأسهم أو العمولات، أو السلع على النطاق المحلي، أو الإسراف في استخدام الاسبكيوليشن على النطاق الخارجي.

8 - ركَّزت البنوك الإسلامية في عمليات التمويل المحلي - ربما أكثر من البنوك الربوية - على تمويل الاستهلاك وليس الإنتاج.

9 - لم تغير البنوك الإسلامية اتجاه انسياب الأموال الوطنية إلى أسواق المال العالمية، بل ربما أخذت هذه الأموال على يد البنوك الإسلامية طريقاً أسرع انحداراً وأكثر زخما.

وإذا تأملنا كل ما سبق يتَّضح أن النتائج الاقتصادية السلبية للبنوك الإسلامية من شأنها ألاَّ تختلف عن النتائج السلبية للبنوك الربوية. وإذا كان الربا لم يحرَّم لمجرَّد صورته وشكله، وإنما حُرِّم لجوهره وحقيقته، وإذا كان تحريم الربا ليس أمراً تعبُّدياًّ وإنما حرِّم لعلة معقولة، فإنَّ ما كشف عنه التطبيق العملي في هذا العصر من الآثار والنتائج المدمِّرة للربا خليقٌ بأن يعتبر علة تحريمه، أو جزءاً من العلة، أو على الأقل دالاًّ على الحكمة التشريعية للتحريم. وإذا كان الربا وهو أكبر مصيبة في الدين والدنيا أو من أكبر المصائب التي يعاني منها العالم الإسلامي لن ترفع لعنته إلا بوجود بديل مختلف في الجوهر ومنافس للمؤسسات الربوية، فإن البنوك الإسلامية في وضعها الحاضر أبعد ما تكون عن هذه الغاية. وإن استمرارها على هذا النهج سيفقدها - كما قال الشيخ صالح كامل بحق - الأساس النظري والعملي لوجودها وبقائها، وسيؤدي إلى إحباط الجماهير التي لا تزال عاطفتها الدينية هي القوة الوحيدة التي تمد البنوك الإسلامية بفرصة البقاء.

وإذا كان الأمر مثل ما وصف آنفا، فما السبب الذي أوصل البنوك الإسلامية إلى هذا المستوى من الإخفاق في تحقيق الغاية من وجودها؟

الجواب: عندما أعلن عن وجود البنوك الإسلامية كانت عاطفة الجماهير الإسلامية العارمة ورغبتها في التخلُّص من الربا دافعاً لإغراق تلك البنوك بالسيولة المالية، ولم تكن البنوك استعدت بمنتجات ملائمة لاستخدام فيض السيولة المالية فلجأت إلى الهيئات الشرعية ملتمسةً المخرج من هذا المأزق، ولم يكن أمام هذه الهيئات إلا أن تقدِّم لها حلولاً عملية تتمثَّل في صيغٍ تعتمد التركيز على ضمان رأس المال والعائد، على أساس أن تكون حلولاً مؤقَّتة.

ولكن البنوك بعد ممارستها لهذه الحلول واكتشافها أنَّها وإن كانت أقلَّ كفاءةً من نظام الفائدة الربوية إلا أنَّها لا تبعد عنها من ناحية الوظيفة، أصرَّت على أن تكون عمادَ عملياتها وأن تولّد منها صوراً مشابهة حتى صارت طابعاً مميِّزاً لها، وصارت عاملاً فعَّالاً في عزوف البنوك الإسلامية كليا عن تجربة وتطوير المعاملات الشرعية التي تبعد بالبنك عن صيغة ضمان رأس المال والعائد و تحقِّق الهدف المقصود، وهو رفع الربا ونتائجه الاقتصادية المدمرة.

وتمادى الأمر بالبنوك الإسلامية بدلاً من ذلك إلى محاولة إقناع الهيئات الشرعية بتمكُّنها من صيغٍ وأدواتٍ تقترب كفاءتها من كفاءة نظام الفائدة الربوية وتتخلَّص بقدر الإمكان من القيود العملية والشرعية التي تقصر بها عن كفاءة نظام الفائدة. وعلى سبيل المثال فإنَّ شركة الراجحي المصرفية للاستثمار طلبت قبل سنواتٍ من هيئتها الشرعية الإذن لها ببيع الأسهم نسيئةً، وقد فطنت الهيئة إلى أنَّها لو أذنت بذلك لفتحت الباب للشركة لاستعمال هذا الإجراء لعمليات التورق، ولكانت النتيجة الطبيعية أن تكون عملية التورُّق هي العملية السائدة لاستخدام الموارد وأن تستغني بها الشركة عن كل الأدوات الأخرى لاستخدام الموارد. إذ لن تحتاج - في إجابة طلب العميل التمويل - إلا أن تعرض عليه أن يشتري نسيئة أسهم شركةٍ قويةٍ معروفةٍ بأنَّ سعرها لا يتغير عادةً في المدى القصير، ثم يبيعها بالنقد، وهذه العملية يمكن أن تتمَّ في دقائق معدودةٍ، ولا تتعرَّض لتعقيدات المرابحة وقيودها العملية والشرعية. ولا تفترق عن التمويل بالفائدة إلا بتحميل العميل الفرق بين سعر البيع والشراء، وهو عادةً فرقٌ ضئيلٌ، وإذا تحمَّله البنك لم يبق فرقٌ في جانب العميل بين هذه العملية وعملية الاقتراض بالفائدة الربوية. لقد فطنت الهيئة الشرعية لشركة الراجحي إلى أنَّها لو سمحت بذلك لكانت حيلةً لاستحلال الربا مكشوفة، مدركةً الفرق بين أن تتمَّ عملية التورُّق - حين أجازها بعض الفقهاء - بين فرد عادي وآخر في ظروف خاصة، وبين أن تتمَّ بين مؤسَّسةٍ - وظيفتُها التعاملُ في النقود - وعملائِها. ليس هذا فحسب، بل إنَّ ممارسة البنك الإسلامي لهذه العملية ستكون الطريق السهل للقضاء على مشروع البنك الإسلامي الحقيقي قضاءً نهائياًّ.

إنَّ هذا الفخَّ الذي تحامته الهيئة الشرعية لشركة الراجحي قد وقعت فيه هيئة شرعية لبنكٍ آخر، فظهر قبل أشهرٍ ولا يزال يظهر إعلان البنك المشار إليه يبشِّر بأنَّه صار من السهل على العميل أن يحصلَ على النقد لمواجهة متطلَّباته فلا يحتاج إلا أن يشتري سلعةً يعرضها البنك نسيئةً ثم يبيعها لطرفٍ آخر وتتمُّ هذه العملية في البنك في وقت وجيز وبسهولةٍ ويسرٍ، وذلك في برنامجٍ وصفه الإعلان بأنَّه ابتكارٌ غير مسبوقٍ في التمويل الإسلامي.

وفي مجلَّة أهلاً وسهلاً (عدد رجب/شعبان 1422) ظهر إيضاح عن هذا البرنامج بعنوان: (لأول مرَّة في تاريخ البنوك الوطنية البنك {…} يطرح "المنتج" ليقلب موازين المرابحة الشخصية). وجاء في الإيضاح: (لأول مرةٍ في تاريخ البنوك الإسلامية يقدِّم البنك {…} "هذا المنتج"، وهو منتج إسلامي جديد غير مسبوق، يمثِّل إبداعاً خلاَّقاً لفريق تطوير المنتجات وهيئة الرقابة الشرعية … بالبنك … وقد تولَّدت فكرتُه … تلبيةً لرغبة العملاء في السوق السعودي وسؤالهم المتكرِّر عن إيجاد أداة مالية إسلامية توفِّر لهم السيولة دون تحمُّل مخاطر رأسمالية، كما يحدث في شراء العملاء السيارات مرابحة، ثم إعادة بيعها. … "هذا المنتج" يلبِّي احتياجات شريحة عريضة من عملاء البنك يرغبون في الحصول على سيولة النقدية من خلال آلية شرعية تعتمد على فقه بيع التورُّق التي أجيزت بقرار مجمَّع الفقه الإسلامي… والتورُّق جائز عند جمهور العلماء… ومن المتوقَّع أن يساهم "البرنامج المذكور" في قلب موازين التمويل الشخصي في البنوك الوطنية، لأنَّه ينهي معاناة العملاء من الخسائر الهائلة التي كانوا يتحمَّلونها في سبيل الحصول على السيولة النقدية… وبشكل ميسَّر).

كما يرى القارئ أظهر الإعلان والإيضاح أعلاه صورةَ المنتج في الواقع، تماماً كما ظهر للهيئة الشرعية لشركة الراجحي في التصور.

لقد صدق الإيضاح في القول إن المنتج المعلن عنه يقلب موازين المرابحة الشخصية، وأنَّ من المتوقَّع أن يساهم في قلب موازين التمويل الشخصي في البنوك الوطنية، ولا شكَّ أنَّ البنوك لو عملت بهذه السنة السيئة لاستغنت البنوك الإسلامية والنوافذ الإسلامية في البنوك الربوية عن أيِّ أداةٍ أخرى للتمويل بقدر استغناء البنوك الربوية بالربا المباشر.

ولماذا تلجأ البنوك أو يلجأ عملاؤها إلى الأدوات التي تعوَّدت العمل بها في التمويل كالمرابحة بما لا يلابسها من تكلُّفاتٍ وتعقيداتٍ ووقتٍ طويل ما دام قد وجدت لديهم أداةٌ سهلةٌ ميسَّرة يمكن أن تتمَّ إجراءاتها في دقائق معدودةٍ؟

ولكن الإعلان والإيضاح لم يصدقا في وصفهما المنتج، فليس إبداعاً، ولا خلاَّقاً، ولا ابتكاراً غير مسبوق. بل هو الحيلة الملعونة التي ما زال المرابون طوال العصور يخادعون بها الله والذين آمنوا. ولم يصدق الإيضاح في دعواه أنَّ هذه الحيلة الملعونة هي التورُّق الذي أجازه مجمَّع الفقه الإسلامي وبعض الفقهاء. فهذا افتئاتٌ عليهم، لأنَّ التورُّق الذي أجازه من أجازه من الفقهاء صورةٌ مما يمكن اعتباره في تأويلهم "مخرجاً شرعياً"، وفرق بين "المخرج الشرعي" المباح والحيلة المحرَّمة. فمع أنَّ صورتَهما الظاهرةَ واحدةٌ، إلاَّ أنَّ بينهما فرقاً دقيقاً، ولكنه بحمد الله واضح كالشمس. فإذا وجدت على رأي بعض الفقهاء أو ظهرت على رأي بعضهم إرادة الفاعل المحرَّم صار الفعل حيلةً ملعونةً على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

في الإعلان والإيضاح عن المنتج وقع التعبير صراحة عن إرادة المموِّل والعميل إعطاء النقود نسيئةً بعوضٍ عن النسأ، أي إرادة الوصول إلى الربا، على أنَّ الأمر في مثل هذه الحالة لا يحتاج إلى التعبير صراحة عن إرادة الفاعل، بل إذا أقدمت مؤسسة تتعامل في النقود على التمويل بصورة التورُّق فإنه يستحيل على أي فقيه أن يجدَ فرقاً بين هذه الصورة وصورة الحيلة الملعونة.

أما الهيئة الشرعية للبنك التي أجازت هذا المنتج فإنها لم تؤتَ من قصورٍ في الفقه أو قلَّة في الورع، وإنما أُتيت مِن الغفلة عن الواقع واقع المنتج الذي أظهرته صيغة الإعلان والإيضاح المنقول أعلاه، وواقع النتائج الخطيرة التي تنشأ عنه فيما لو اتخذ سنةً من قبل البنوك الإسلامية، فيصير رصاصة الرحمة موجهة لمشروع المصرفية الإسلامية، ويتحمَّل من سنَّه إزره وإزر مَن قلَّده إلى يوم القيامة.

ثمرة كل ما سبق أنَّنا لن نحتاج بعد هذا إلى أن نُثبِتَ لعلمائنا الأجلاء أعضاء الهيئة الشرعية للبنوك الإسلامية أنَّ من الطبيعي إذا سلكت طريقاً معيناً أن يوصلك إلى نهايته.

ليس لدى البنوك الإسلامية - فيما يبدو - أيُّ دافع لأن تغيِّر نهجَها، لقد زين لها علمها فرأته حسناً، أليست بالرغم من ضعف كفاءة أدوات توظيفها للأموال بالقياس لأداء الفائدة الربوية لا تزال واقفة على أقدامها في مجال المنافسة مع البنوك الربوية.

عندما سارعت البنوك الربوية لفتح نوافذ "إسلامية!!" تستخدم فيها أدوات توظيف الأموال التي تستخدمها البنوك الإسلامية، وذلك سعياً وراء اجتذاب إيداعات المسلمين المتَّقين، سمعنا صيحاتِ الفرح الساذج بأنَّ الأدوات الإسلامية فرضت نفسها على سوق توظيف الأموال، فيا له من انتصار يدعو للفخر والإعجاب، لم يدركوا أنَّه هزيمة حريَّةٌ بأنْ تنبِّه إلى حقيقة تلك الأدوات.

قبل سنواتٍ طالبت مصلحة الضرائب مكتب أحد البنوك الإسلامية في لندن بالضريبة التجارية على أعماله، وهي بالطبع تزيد كثيراً على الضريبة عن عمليات التمويل بالفائدة، فاستطاع المكتب بسهولةٍ أن يقنع مصلحة الضرائب بأنَّ عملياته وإن كانتْ صورتها تجاريةً فهي عمليات تمويلٍ حقيقية، وإنما قصد بصورتها الظاهرة "مخرجاً شرعيا" ليتجاوز الأحكام الشرعية المحرِّمة للربا.

في كثير من البلدان يحرم الربا إذا جاوز الفائدة القانونية، ولا يستطيع الشخص في هذه البلدان أن يفلت من العقاب لو مارسه الربا المحرَّم قانوناً بالصيغ التي تتَّبعها البنوك الإسلامية كمخارج شرعية. ولهذا يكون رجل الشارع في باريس أو روما على حقٍّ حينما يقول: لا نستطيع أن نخدع قضاتنا بما يحاول المسلمون أن يخدعوا ربَّهم؟

لقد استطاع موظفو البنوك الإسلامية الإداريون أن يقنعوا العلماء في الهيئات الشرعية أنَّ التحوُّل إلى الطريق الصحيح والتخليَ كلياًّ أو جزئياًّ عن صيغِ ضمان رأس المال والعائد أمرٌ غير ممكن، وكأنَّهم يريدون أن يقنعوا الناس بأنَّ الله الذي يريد أن يخفِّف عنَّا ويريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر يلجئنا إلى ما حرم من الربا، لم يصدقوا معهم فيخبروهم أنَّ المانع الوحيد للتحوُّل للطريق الصحيح هو عدم إرادتهم ذلك، واختيارُهم الطريقَ السهلَ على طريقٍ يقتضي منهم في البدايةِ بذلَ الجهدِ والشجاعةَ على التجربةِ ومعاناةَ الابتكار، وتوطينَ النفسِ على مواجهةِ الصعوبات، أو حتى الإخفاقات. لم يخبروا العلماء بالنتيجة المنتظرة في المستقبل، وهو ما عبَّر عنه الشيخ صالح كامل بفقد البنوك الإسلامية الأساس النظري والعملي لقيامها واستمرارها.

بل إن الأمر قد يكون أقربَ من ذلك، إذ لن يطول الوقت قبل أن تواجهَ المؤسسات المالية في دول مجلس التعاون (إسلامية أو ربوية) وضعاً صعباً ناتجاً عن دخول بلدانها منظَّمة التجارة الدولية، أو عجزها عن دخول هذه المنظمة. إنَّ الآثار السلبية للعولمة - كما تقتضي طبائع الأمور - ستصيب أول ما تصيب المؤسسات المالية. ولن تجد البنوك المحلية لها عاصماً من تلك الآثار، إلاَّ بتحوُّلها إلى نظامٍ مغايرٍ قادرٍ على الوقوف في مجال المنافسة الحادة، هذا النظام هو فقط النظام الإسلامي الحقيقي.

السؤال قبل الأخير

إذا كانت فلسفة توظيف الأموال في البنوك الإسلامية هي نفسها فلسفة البنوك الربوية "التعامل في النقود، وليس التعامل بالنقود"، وإذا كان تركيز البنوك الإسلامية في استخدام الموارد على الأدوات التي تستهدف العائد المحدَّد المضمون مثل البنوك الربوية، وإذا كانت الأدوات التي تستخدمها البنوك الإسلامية أضعف كفاءةً من الأدوات التي تستخدمها البنوك الربوية، فبينما تتَّصف الأدوات البنوك الربوية بالبساطة تثقُل أدوات البنوك الإسلامية بالقيود والتكلُّفات وعمليات المكياج التي تفرضها محاولة إبعاد صورتها عن صورة الأدوات الربوية، ولا تتوافر لأدوات البنوك الإسلامية الفعالية والمرونة التي تتوافر للبنوك الربوية، فغاية ما تسمح به أدوات البنوك الإسلامية أن تحقِّق لها مقابل الفائدة البسيطة الفائدة التعويضية، أما أدوات البنوك الربوية فتحقِّق لها الفائدة البسيطة والفائدة المركَّبة، الفائدة الثابتة والفائدة المتغيِّرة، الفائدة التعويضية والفائدة التأخيرية.

إذا كان الأمر كذلك، وهو الواقع، فما السر في أنَّ البنوك الإسلامية لا تزال واقفةً على أقدامها بجانب البنوك الربوية، مع أنَّ الميدان ميدان منافسة والمقيد لا يمكن أن يجاري المطلق في ميدان السباق؟ إن السر في ذلك اعتماد البنوك لا على مقدرتها الذاتية، وإنما على قوةٍ خارجية، وهي عاطفة عملائها الدينية المبنية على ثقتهم المطلقة بأنَّ البنوك الإسلامية إنما تتحرَّك وفق توجيهات ورقابة العلماء أعضاء الهيئات الشرعية.

معنى ذلك أنَّ قوة وقدرة البنوك الإسلامية مستمدَّة كليا من وجود هيئاتها الشرعية وموافقتها على أعمالها.

السؤال الأخير

إذا كان من أهمِّ المهمات وأوجب الواجبات ومن أفضل القربات والعبادات رفع لعنة الربا عن المجتمعات الإسلامية، وإذا كانت الحكومات غير قادرةٍ - حتى لو أرادت - على أن ترفع لعنة الربا في العالم الإسلامي، إذ غاية ما تستطيعه تجريم الربا وإصدار القوانين بإلغائه. ويدلُّ المنطق وما تقتضيه طبائع الأمور وشواهد الواقع على عجز القوانين على رفع هذه اللعنة، إذ لا يمكن - عملياًّ - رفعُ الربا إلا بوجود مؤسساتٍ مالية بديلةٍ تقوم بوظيفةِ تعبئة الموارد واستخدامها وتفترق عن المؤسسات الربوية في الجوهر وتستمد قوتها من ذاتها لا من خارجها.

وإذا كان هذا البديل لن يتحقَّق إلا بتغيير البنوك الإسلامية الحالية مسارَها بحيث (تبدو الفوارق واضحةً وملموسةً بين ثمرة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي وبين نتائج العمل المصرفي الربوي "وتحقِّق ما بشرت به البنوك الإسلامية" بأنَّ آثار تطبيق الاقتصاد الإسلامي على الأمة ينعكس في قيادتها نحو التنمية الاقتصادية وإيجاد القيمة المضافة وزيادة المصادر وتشغيل العاطل) - حسب ما عبَّر الشيخ صالح كامل فيما اقتبسنا من محاضرته - وهذا لا يمكن أن يتحقَّق إلا إذا توجَّهت إرادة البنوك الإسلامية إلى التغيير وإلى عدم الركون إلى صيغ العائد المحدد المضمون.

ولما كانت البنوك الإسلامية إنما تستمدُّ قوتها التي هي عماد بقائها من هيئاتها الشرعية، فإنَّ الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية هي وحدها القادرة على حملِ البنوك الإسلامية على تصحيح مسارها وإيجاد البنك الإسلامي الحقيقي.

نتيجة المقدمات السابقة أنَّ الهيئات الشرعية أقدر من كل أحد على إيجاد البديل الحقيقي للربا، وبالتالي رفع الربا من المجتمعات الإسلامية. ولا يطلب من الهيئات الشرعية لهذه الغاية العمل، إنما يطلب منها عدم العمل، أي: أن تتوقَّف عن ترميمِ البيت الذي لا يصلح للسكنى، وترقيعِ الثوب الذي لا يستر عورة، أن تتوقَّف عن تشجيع البنوك الإسلامية على التمادي في خلق الأدوات والعمليات شديدة الشبه بالدورات المستندية للأنظمة الربوية - حسب ما وصف بحقٍّ الشيخ صالح كامل -، وأن تجعل شرط بقائها معاونةً لهذه البنوك أن تتَّجهَ إرادة البنوك إلى أن تتحول ضمن خطة زمنية محددة إلى المصرفية الإسلامية الحقيقية.

وبعد هذا الإيضاح فعلماؤنا الأجلاء أقدر على تصوُّر مسؤوليتِهم أمام الله، وأورعُ إن شاء الله من ألاَّ يقدروها حقَّ قدرها.

وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه.

زكاة الراتب الشهري

زكاة الراتب الشهري

سؤال: راتبي (8000) ريال ولا يبقى منه كل شهر في الغالب إلا مبلغ يسير، فهل تجب علي الزكاة ؟

نرجو بيان كيفية إخراج زكاة الرواتب فهي مشكلة على الكثيرين ؟

الجواب: لا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، فالراتب إذا كنت تنفقه فلا زكاة عليك، فإن كنت تدخر منه قدر النصاب فعليك الزكاة فيما يحول عليه الحول من المدخرات، وكلما حال الحول على جزء من المال أخرجت زكاته، فمثلاً إذا وفرت ألفين في شهر محرم عام 1415هـ فإن تزكيها في محرم 1416هـ من السنة التالية، ثم تزكي ما ادخرته في صفر بعد سنة، وفي ربيع الأول بعد سنة، أي أنك تزكي مدخرات كل شهر في مثله من السنة التالية، وإن مر بك شهر لم تدخر فيه شيئاً، أو أنفقت من المدخرات فلا زكاة عليك في ذلك الشهر، وإن كان في ضبط ذلك مشقة فإنه يجوز التعجيل بأن تجعل لك شهراً تحصي فيه ما وفرته في جميع السنة وما قبلها وتخرج زكاة الجميع، فلو جعلت رمضان شهر زكاتك أخرجت زكاة ما ادخرته في شعبان قبل حلوله، وفي رجب وفي جمادى وهكذا، فإن تعجيل الزكاة جائز للحاجة والمناسبة والله أعلم.

كتاب فتاوى الزكاة / لفضيلة الشيخ العلامة: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

Joint Projects

مشروعات مشتركة Joint Projects/

------------------------------------------

نوع من المشروعات تسهم في إنشائها وتمويل رؤوس أموالها أكثر من دولة، إما بصورة مباشرة، وإما من خلال جهود مؤسسات تمويلية، إقليمية أو دولية، تضم في عضويتها مجموعات من الدول.

وتُعتبر المشروعات المشتركة من أهم صيغ التعاون والتكامل الاقتصادي، وأداة من أدوات الإسراع بالتنمية الاقتصادية في العالم النامي، وذلك للاعتبارات الآتية:

1) قدرة المشروعات المشتركة على تجميع الموارد من عدة دول، واستغلال هذه الموارد على نحو أفضل.

2) إمكانية إقامة المشروعات الكبرى التي تتطلب موارد ضخمة، مالية وفنية، وأسواقاً واسعة مما لا تقدر عليه دولة بمفردها.

3) إمكانية تحقيق المصالح المشتركة لعدد من الدول، وهو ما يجنبها الاعتراضات التي توجَّه عادة للمشروعات الأجنبية، وما تتضمنه من التنسيق الإقليمي وتقسيم العمل على مستوى مجموعة الدول الأطراف المتعاقدة، ومن رفع القدرة الإنتاجية لهذه الدول وتنشيط التبادل التجاري بينها.

4) اعتبار المشروعات المشتركة الصيغة الملائمة لحل التناقض القائم في المشكلات المتعلقة بمجموعة معينة من الدول، كدول المنطقة العربية مثلاً، أي بين الدول ذوات الفائض (وهي التي تتراكم لديها موارد مالية أكبر من فرص الاستثمار فيها ومن قدرتها على الاستيعاب) وبين الدول ذوات العجز التي تعاني من نقص الموارد المالية بالقياس إلى فرص الاستثمار وإلى قدرتها على الاستيعاب.

وقد ظهرت في المنطقة العربية بعض المشروعات المشتركة في إطار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وهي: الشركة العربية للتعدين برأس مال قدره 120 مليون دينار كويتي ومقرها عمان، والشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية برأس مال قدره 66 مليون دينار كويتي ومقرها دمشق، والشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية برأس مال قدره 50 مليون دينار كويتي ومقرها القاهرة، والشركة العربية للاستثمارات الصناعية برأس مال قدره 150 مليون دينار عراقي ومقرها بغداد. كما خرجت إلى حيز الوجود مشروعات عربية مشتركة أسهمت منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوبك) بدور رئيسي في إنشائها، وهي: الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن، والشركة العربية البحرية لنقل البترول، والشركة العربية للاستثمارات البترولية، والشركة العربية للخدمات البترولية.

الدكتور/ حسين عمر

الموسوعة الاقتصادية، طبعة موسعة.

غسيل الأموال

تعبير (غسيل الأموال) أو الجريمة البيضاء يعتبر من التعبيرات التي تداولت مؤخراً في كافة المحافل المحلية والإقليمية والدولية المهتمة بالجرائم الاقتصادية والأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي باعتبار أن عمليات غسيل الأموال ترتبط إلى حد كبير بأنشطة غير مشروعة عادة ما تكون هاربة خارج حدود سريان القوانين المناهضة للفساد المالي ثم تحاول العودة مرة أخرى بصفة شرعية معترف بها من قبل نفس القوانين التي كانت تجرمها وداخل الحدود الإقليمية التي تسري عليها هذه القوانين. ولم يكن من المستطاع على أصحاب الأموال غير المشروعة أو الناتجة عن معاملات قذرة أن يعودوا بأموالهم إلى داخل البلاد إلا بعد الاطمئنان إلى عدم وجود مخالفات قانونية وإلى عدم وجود مخاطر مرتبطة بأجهزة الأمن أو السيادة تتمثل في المصادرة أو توقيع العقوبات المالية أو البدنية أو كليهما معاً، وتشمل عمليات الغسيل لإضفاء المشروعية عادة الأموال أو الدخول الناتجة عن أحد /أو/ كل الأنشطة الآتية:

§ أنشطة الاتجار في السلع والخدمات غير المشروعة وفقاً لقوانين أو تشريعات الدولة مثل المتاجرة في المخدرات بأنواعها المختلفة، وأنشطة البغاء أو الدعارة أو شبكات الرقيق الأبيض.

§ أنشطة التهريب عبر الحدود للسلع والمنتجات المستوردة دون دفع الرسوم أو الضرائب الجمركية المقررة مثل تهريب السلع من المناطق الحرة وتهريب السجائر والسلع المعمرة والسلاح وغيرها.

§ أنشطة السوق السوداء والتي يتحقق منها دخولاً طائلة للمتعاملين فيها بالمخالفة لقوانين الدولة مثل ذلك الاتجار في العملات الأجنبية في الدول التي تفرض رقابة صارمة على التعامل في النقد الأجنبي، وكذلك الاتجار في السلع التي تعاني البلاد من نقص المعروض منها بالمقارنة بالطلب عليها حيث يتجه التجار إلى رفع أسعار بيعها بشكل كبير وبالمخالفة لضوابط التسعير التي تحددها السلطات المحلية.

§ أنشطة الرشوة والفساد الإداري والتربح من الوظائف العامة وذلك من خلال الحصول على دخول غير مشروعة مقابل التراخيص أو الموافقات الحكومية أو ترسية العطاءات في المعاملات المحلية والخارجية بالمخالفة لأهم نصوص اللوائح والقوانين العامة والخاصة.

§ الدخول الناتجة عن التهرب الضريبي من خلال التلاعب في الحسابات أو إخفاء مصدر الدخل وعدم سداد الضرائب المستحقة على النشاط إلى خزانة الدولة وتحويل الأموال إلى خارج البلاد بإيداعها هناك في أحد البنوك الأجنبية.

§ العمولات التي يحصل عليها بعض الأفراد والمشروعات مقابل عقد صفقات الأسلحة والسلع الرأسمالية أو الاستثمارية أو الحصول على التكنولوجيا المتقدمة أو أية صفقات تجارية كبيرة القيمة. وعادة ما يكون ذلك مقابل تسهيل الإجراءات الحكومية من خلال النفوذ الوظيفي والعلاقات مع المسئولين لإنهاء الإجراءات بسرعة والتجاوز عن بعض أو كل الشروط أو الضوابط المنظمة لعقد الصفقات أو المقاولات.

§ الدخول الناتجة عن الأنشطة السياسية غير المشروعة مثل أنشطة الجاسوسية الدولية والتي عادة ما يحصل من يقوم بها على دخول بصفة منتظمة من الجهات التي يعمل الجاسوس لحسابها وتودع الأموال باسمه في حساب جاري بأحد البنوك الأجنبية خارج موطنه الأصلي.

§ الدخول الناتجة عن السرقات أو الاختلاسات من أموال عامة ثم تهريب هذه الأموال في الخارج بإيداعها في أحد البنوك التجارية الأجنبية هناك.

§ الاقتراض من البنوك المحلية بدون ضمانات كافية وتحويل الأموال إلى الخارج وعدم سداد مستحقات البنوك المحلية وهروب الأشخاص المقترضين مع أموالهم خارج البلاد لفترات معينة حتى تسقط الجرائم والأحكام بالتقادم.

§ جمع أموال المودعين وتهريبه إلى الخارج وإيداعها في البنوك الأجنبية دون وجود ضمانات كافية لأصحاب الأموال مع قيام الأشخاص الذين يجمعون هذه الأموال بتحويلها في الخارج إلى أشخاص آخرين أو تحويل الأموال إلى عقارات أو محلات تجارية أو غيرها ثم بيعها إلى ذويهم تمهيداً لعودتها إلى خارج البلاد مرة أخرى في صورة مشروعة.

§ الدخول الناتجة عن النصب والاحتيال والمهربة إلى الخارج مثال ذلك الاحتيال على راغبي العمل في الخارج والحصول منهم على آلاف الجنيهات مقابل عقود عمل مزورة أو تقاضي مبالغ منهم مقابل الحصول على شهادات صحيحة مزورة أو جوازات سفر مزورة.... إلخ ثم تهريب حصيلة الأموال إلى الخارج تمهيداً لإعادتها إلى داخل البلاد مرة أخرى حينما تسمح الظروف بذلك من الناحية القانونية.

§ الدخول الناتجة عن الغش التجاري أو الاتجار في السلع الفاسدة أو تقليد الماركات العالمية أو المحلية ذات الجودة والشهرة الفائقة، أو تزوير الكتب والمصنفات الفنية ومنتجات الإبداع الفكري وبرامج الحاسبات الآلية والحصول على دخول كبيرة من وراء ذلك يتم تهريبها إلى الخارج تمهيداً للعودة بها بعد إجراء عمليات الغسيل القانوني لها.

§ الدخول الناتجة عن تزييف النقد سواء البنكنوت أو العملات المعدنية والحصول على نقود قانونية مشروعة مقابل النقود المزيفة سواء من العملات المحلية أو من العملات الأجنبية. وكذلك تزييف الذهب والفضة وغيرها. وفي عام 1300 اشتكى (ببيرديوا) من عملية تزييف النقود إلى الملك فيليب العادل وأوضح أن هذا يضر بدخول النبلاء وبقية الفئات محدودة الدخل في وقت ارتفعت فيه الأسعار المحلية بشكل كبير.

§ الدخول الناتجة عن تزوير الشيكات المصرفية وسحب المبالغ من البنوك المحلية بشيكات أو حوالات مزورة أو من خلال تزوير الاعتمادات المستندية المعززة بموافقة البنوك أو المراسلين والحصول على قيمة هذه الاعتمادات وإيداعها في أحد البنوك في الخارج توطئة لغسلها وإضفاء صفة المشروعية عليها.

§ الدخول الناتجة عن المضاربة غير المشروعة في الأوراق المالية والتي تعتمد على خداع المتعاملين في البورصات العالمية وحجب بضاعة الأوراق المالية عن التداول لارتفاع أسعارهم ثم الحصول على دخول مرتفعة كثيراً عن أسعار شرائها وإيداع هذه الأرباح في أحد البنوك التجارية خارج الحدود تمهيداً لعودتها مرة أخرى إلى البلاد بصورة قانونية.

§ ويجدر الإشارة على أن كافة الدخول التي تتحقق من الأنشطة السابق ذكرها تعتبر غير مسجلة في الحسابات القومية للدول ومن ثم يصعب الوصول إلى أرقام حقيقية عن حجمها أو مقاديرها باعتبارها أنشطة تدرج ضمن أنشطة الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد السفلي (Under ground) وتمثل الجانب غير المشروع من هذا الاقتصاد حيث أن هناك جوانب أخرى مشروعة ولكنها غير مسجلة في تلك الحسابات مثل دخول القطاع غير الرسمي من أصحاب الأعمال الهامشية كالباعة الجائلين وأعمال النساء في المنازل وفي الحقول لمساعدة الأزواج والدخول الناتجة عن أعمال إضافية لبعض الوقت بدون موافقات رسمية من جهة العمل...... إلخ.

المصدر/ غسيل الأموال في مصر والعالم

دكتور حمدي عبد العظيم

Freedom of Trade

حرية التجارة Freedom of Trade/

--------------------------------------------

أي نظام التعريفة الجمركية لا يفرق في المعاملة بين السلع المنتَجة في الخارج وبين السلع المماثلة المنتجة محلياً، بمعنى أن معاملة كلا النوعين من السلع تكون على أساس واحد، فإما أن تُفرض عليها الضريبة الجمركية على قدم المساواة (سعر موحّد للضريبة على السلع المستوردة والسلع المماثلة المنتجة محلياً) وإما أنها تُعفى من الضريبة كلية. وعلى ذلك فإن المنتجين المحليين لا يتمتعون بأية حماية مصطنعة من المنافسة الأجنبية، غير أن اتباع مبدأ حرية التجارة لا يحول دون أن تفرض الدولة الضرائب الجمركية على بعض الواردات لأغراض إيرادية، وإنما شريطة أن تفرض الدولة ضريبة إنتاج مناظرة على السلع المماثلة المنتَجة محلياً.

الموسوعة الاقتصادية

الدكتور حسين عمر

التمويل عن طريق العجز (في الموازنة العامة)

التمويل عن طريق العجز (في الموازنة العامة)

هذه الطريقة في تمويل عجز الموازنة العامة هي مضمون النظرية التي تنادي بأنه ينبغي على الدولة أن تنفق بقدر أكبر مما تحصل عليه من إيرادات عامة بغرض التخفيف من حدة الكساد في الصناعة والتجارة أي النقص في الطلب العام على السلع والخدمات ، والقضاء على البطالة التي تشتد وطأتها في فترة الكساد في الدول الصناعية التي تأخذ بالنظام الرأسمالي الحر . وهذا التوسع في الإنفاق العام في مثل هذه الفترة إلى الحد الذي يربى معه الإيرادات العامة لا بد أن يفضي إلى عجز موازنة الدولة .

أما الرأي الذي يبرر هذا العجز فيقوم على أن توجيه هذا العجز (الزيادة في الإنفاق العام على الإيرادات العامة) للإنفاق على المشروعات العامة في المجتمع الرأسمالي سيؤدي إلى تشغيل عدد كبير من المتعطلين ، وبالتالي إلى زيادة القوة الشرائية في المجتمع بفضل أثر مضاعف الاستثمار ، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات عامة ، ومن ثم إلى القضاء على الكساد . أما في الدول النامية ، فقد تلجأ الحكومة إلى تمويل برامج التنمية الاقتصادية عن طريق العجز في الموازنة العامة بإصدار السندات الحكومية أي بالتجاء الحكومة إلى الاقتراض من المواطنين ، واستخدام حصيلة القروض في تمويل مشروعات التنمية.

الموسوعة الاقتصادية

الدكتور / حسين عمر

الإغـراق

الإغـراق

ظاهرة معروفة في الأسواق العالمية، تتضمن بيع أية سلعة في دولة أجنبية بسعر يقل عن تكاليف إنتاجها. وعادة ما يصحب ظاهرة الإغراق "تمييز سعري" Price discrimination بين السوق المحلية للسلعة والسوق العالمية لها. إذ عندما تكون السوق المحلية احتكارية، يحدد المنتِج سعراً أعلى من تكاليف الإنتاج، وتكون السوق العالمية تنافسية، يتحدَّد السعر عند مستوى أقل من تكاليف الإنتاج، ومن ثم تعوِّض الأرباح الاحتكارية المحققة في السوق المحلية الخسارة الناجمة عن البيع بأقل من التكلفة في السوق العالمية. كما أن ظاهرة الإغراق تكون مصحوبة، بطبيعة الحال، بالتوسع في الإنتاج، تجاوباً مع الطلب العالمي فضلاً عن الطلب المحلي على السلعة. وهنا يحقق المنتجون في الدولة المغرِقة وفوراً داخلية وخارجية نتيجة للتوسع في الصناعة، وهي ما تسمى "بوفور الإنتاج الكبير" وما كانت هذه الوفور لتتحقق، لو أن الطلب العالمي لم يدْعَم الطلب المحلي على السلعة. ولنجاح ظاهرة الإغراق، إذن، لابد من أن تكون الصناعة المعنية خاضعة لقانون تزايد الغلة أو تناقص التكاليف، وأن يتعذر إعادة تصدير السلعة إلى الدول المغرِقة، وإلا تلاشى التمييز السعري بين السوقين، وتلاشت تبعاً لذلك الفائدة المرتقبة من الإغراق. ومع ذلك فإن هذا المصطلح قد أصبح يُستخدم، في أغلب الأحيان، في التعبير عن أي وضع منطو على قيام المنافس الأجنبي بخفض أسعار منتجاته عن أسعار المنتجات المحلية.

الموسوعة الاقتصادية

الدكتور / حسين عمر

كيف استغنت المصارف الإسلامية عن الربا

خبرة العمل المصرفي بالحضارة الإسلامية

أ. منى بن الطيبي

ظل جهاز التمويل الإسلامي عاملا في البلاد الإسلامية حتى جاء الاستعمار الذي صمم أن يصوغ الحياة في مستعمراته على الصورة التي رسمها لها، فأسس البنوك الربوية، وهو ما ساعد على ذلك المناخ السياسي السائد آنذاك بالإضافة إلى انقطاع صلة المسلمين بالممارسات المصرفية التي سادت إبان النهضة الإسلامية، وهذا بالطبع مهد إلى انتشار البنوك الربوية التي تعتبر الفائدة محور نشاطها، إلى حد تبنت معه المنظومة الغربية فكرة استحالة قيام اقتصاد، وبالتالي بنوك بدون فوائد واعتبرت ذلك ضربا من الخيال.

لكن المسلمين الغيورين كانوا توَّاقين دائما إلى صيغة تجنبهم هاته المعاملات الربوية المحرمة؛ فكان عليهم واجب رفع التحدي وإيجاد بدائل شرعية للبنوك الربوية وتفنيد الفكر القائل باستحالة قيام بنوك بدون فوائد، وتبعا لذلك الجهد لتحقيق هذا الحلم، انعقدت المؤتمرات وقامت دراسات لتناول القضايا المتعلقة بالأعمال المصرفية من منظور الفكر الإسلامي، وهكذا أنشئت البنوك الإسلامية، وقبل أن نتعرف على البدائل الشرعية التي مكنت هاته البنوك من رفع التحدي الذي تمت الإشارة إليه، نتساءل حول ما إذا عرف العالم الإسلامي نظاما مصرفيا قبل أن يتم التحول عنه نحو النموذج الغربي؟

المؤرخون للصيرفة الحديثة يلحون على فكرة رئيسية وهي أن انبعاث الأعمال المصرفية قد نشأ مع ازدهار المدن الإيطالية، مثل البندقية وفلورنسا في القرن الثاني عشر، وبذلك يتبادر للذهن أن العمل المصرفي مرتبط بالغرب وأن المسلمين قد استلهموه منه، إلا أن كتب التاريخ[1] تدحض هذه الفكرة وتثبت مما لا يترك مجالا للشك أن المسلمين قد حققوا السبق في هذا المجال، أي أن الحضارة الإسلامية قد عرفت صورا مصرفية عديدة في عهودها المزدهرة. صورا يمكن أن تؤخذ كدليل على إمكانية ائتلاف الأعمال المصرفية في العصر الحاضر مع المفاهيم الإسلامية، تماما كما ائتلفت مع هذه المفاهيم في العهود السابقة.

ومن الصور المصرفية التي عرفتها الحضارة الإسلامية نذكر:

1- الوديعة والقرض:

فقد ثبت في كتب التاريخ أن الزبير بن العوام مثلا كان يستودعه الناس أموالهم وقد تنبه بذهنه الذكي أنه لا يجوز حفظ هذا المال دون استثمار، فكان يشترط على المودع الذي يستودعه المال على ألا يأخذه منه وديعة أمانة وإنما يأخذه قرضا لأنه يخشى عليه الضيعة؛ لأنه في حالة ما إذا أخذ المال أمانة وهلك عنده دون تعد أو تقصير فهو ليس مسؤولا، أما إذا أخذ المال قرضا، أصبح المال في ذمته، فيصبح بذلك مسؤولا عنه، وفي مقابل هذه المسؤولية كان يستثمر المال.

2- التعامل بالعملات:

خلال وضع القواعد لتأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة كان التجار يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يحل ويحرم في باب الصرف، وذلك كما حدث مع ابن عمر -رضي الله عنه- حيث قال: كنت أبيع الإبل في البقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فوقع ذلك في نفسي، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألته: فقال لي: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفرقا وبينكما شيء" [2].

وكتبنا الفقهية حافلة بالكلام عن الصرف وضوابطه وشروطه وفق ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أحاديث مبينة لشروط التعامل في الذهب والفضة وغيرها من الأصناف.

3- التعامل بالأوراق التجارية غير النقدية:

ولم يقف تعامل الناس على حد المصارفة بين العملات، بل استقر العمل بنماذج من الأوراق التجارية والتي كانت محمل قبول لدى الأسواق مثل[3]:

أ - رقاع الصيارفة:

وهي تعهدات مكتوبة بدفع مقادير نقدية عند الطلب أو في موعد محدد للمستفيد أو حامله، وهي تقابل حاليا السند الإذني أو لأمر، وإن اقتصر تحديدها في بادئ الأمر على الصيارفة… حيث كانت تؤدي وظيفة الشيك المصرفي أو بطاقات الائتمان حاليا، والمسلمون أول من عرفها، وانتقلت منهم إلى غيرهم.

ب - الصكوك أو الصكاك:

مفردها صك، وهي كلمة معرية، أصلها "حك" وتنطق "شك" وكانت الأوراق تسمى كذلك لأنها تخرج مكتوبة من المحرر إلى الصيارفة بدفع مقدار من النقود لحامل الصك أو المسمى فيه وهو الشيك المعروف حاليا.

جـ - السفاتج:

مفردها "سفتجة" وأصلها فارسي "سفتة" بمعنى الشيء المحكم، وتعرف حاليا في القوانين العراقية والسورية واللبنانية بنفس هذا الاسم كمرادف لتعبير الكمبيالة أو البوليصة في القوانين الأخرى، عرفها المسلمون واستخدموها منذ القرن الثامن الميلادي وانتقلت منهم إلى المدن الإيطالية والأندلس ثم باقي مدن أوروبا فلم يستخدمها الإنجليز إلا في القرن السادس عشر.

وبذلك يمكن القول بكل اطمئنان من خلال البحث في العمل المصرفي، أن ما كانت تملكه الحضارة الإسلامية منذ البداية من قاعدة فكرة قوية ومتكاملة بُنيت على القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الصحابة، قد ساعدها على تيسير المعاملات بين المتعاملين بكل ثقة واطمئنان من خلال أنماط متنوعة من صيغ العقود، تغطي تقريبا كل مناحي النشاط الاقتصادي مدعوما بنظام قضائي قوي على رأسه قاضي القضاة الذي كان في بعض الأحيان يسائل الخلفاء والأمراء ويجلسهم مجالس المتهمين دون تمييز.

مما سبق، يتبين أن الأعمال المصرفية التي عرفتها الحضارة الإسلامية، لم تكن أقل شأنا وتقدما مما عرفته المجتمعات التي عاشت في نفس الظروف والاحتياجات، وهذا يخالف الظن السائد لدى العديد من الباحثين -الذين يعتقدون نظرا لعدم قيامهم بالتدقيق العميق أو لمجرد النقل أو الاستنتاج المستعجل- أن العمل المصرفي صناعة مصرفية مرتبطة بالربا، وبذلك تبدو منقطعة الصلة بتراث الحضارة الإسلامية من قريب أو بعيد، وقد ساعد على ترسيخ هذا الظن المخالف لواقع الأحداث، السيطرة التي تعرض لها العالم الإسلامي من جانب الفكر الأوروبي بعد هذه النهضة والانطلاق الصناعي وبداية عهد الاستعمار.

اقرأ في نفس الموضوع

استيراد النموذج المصرفي الربوي

البنوك الإسلامية: النشأة والتطور

رفض الربا: تطوير أساليب وصيغ الاستثمار

رفض الربا: ابتكار أدوات مالية جديدة

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ظهر الإسلام: محمد أمين دار الكتاب العربي بيروت ص: 3 سنة 1962.

[2] السنن الكبرى ج5 للإمام البيهقي ص 284 دار المعارف النظامية سنة 1344هـ.

[3] د.ناصر الغريب: التمويل المصرفي الإسلامي: ندوة التطبيقات الاقتصادية المعاصرة سنة 1998.

Ramadan

الغزالي